تبرع سريع

تبرع بسرعة

$

info@minberiaksa.org

+90 216 514 8500

+90 536 637 5867

للتواصل

أدركوا المسجد الأقصى ..
للخلف
أدركوا المسجد الأقصى ..

الحمد لله الذي في السماء تعالى و تقدس واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شرفه الله تعالى بالرسالة وعرج به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى.. 

وبعد:

ستبقى قضية المسجد الأقصى مسرى نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم هي قضية الأمة الأولى في صراعها مع عدوها اللدود "اليهود" ومن وراءهم من العالم الغربي الصليبي.

 

وستبقى قضية الأقصى محطّ اهتمام كلّ مؤمن بالله، صادق الإيمان، وفي قلب كلّ متّبع لنبي الله صلى الله عليه وسلم.

 

وستبقى قضية الأقصى هي "رحى" المعركة مع اليهود التي لن تهدأ إلا بخروجه ذليلا صاغرا.

 

أيها الناس: لا تهون مقدسات أمة عليها إلا حين يهون دينها في قلوب أفرادها، وإذا هان دينهم في نفوسهم تسلط أعداؤهم عليهم، فأذلوهم وأهانوهم، ولم يحفظوا لهم حقًّا، ولم يفوا لهم بعهد.

 

والأمة المسلمة في زمننا هذا تمر بمرحلة عسرة جدًّا؛ إذ انتفش صهاينة اليهود وصهاينة النصارى، وأعانهم المنافقون على ظلمهم، مع تفريط كثير من المسلمين في دينهم، وعدم مبالاتهم بحقوق أمتهم ومقدساتها، وكثر حديث الناس في هذه الأيام عن عزم اليهود على هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث؛ لإقامة مملكة داود الكبرى.

 

ان المسلم الغيور ليقرأ في احتلال اليهود للأرض المقدسة وتدنيسِهم لساحات المسجد الأقصى ما هو أبعد من ظاهر الصورة، إنه يقرأ في ذلك ما هو أسبق منه حدوثاً، يقرأ فيه تقويضاً سابقاً لمعالم الدين ومكانته في نفوس أبنائه قبل أن يُدنَّس الأقصى برجس يهود، ويقرأ في ذلك هوانَ مقدساتِ الشريعة الحسيةِ والمعنويةِ وشعائرِها التعبدية في قلوب الأمة قبل احتلال الأرض المقدسة وبعده، وما سقطت مقدساتُ الأمة في أرض المقدس إلا بعد أن سقطت الأمة نفسُها في ضحضاح الذلة والصَّغار، فلم يبق لها ولا لمقدساتها حرمةٌ تحترم.

 

عباد الله: هل نسي المسلمون ما للأقصى من مكانة في الإسلام، أنسوا أن الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، صلى إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أثني عشر شهرا.

 

أنسوا أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده، كما في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولا؟: قال:

"المسجد الحرام"،

قلت: ثم أي؟

قال: "المسجد الأقصى

"، قلت: كم بينهما؟

قال:

"أربعون سنة".

 

أنسوا أن المسجد الأقصى تضاعف فيه الصلاة ويعظم الثواب، قال صلى الله عليه وسلم.

 

"الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".

 

قال ابن تيمية رحمه الله:

"بدأ الخلق والأمر من مكة المكرمة، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه؛ فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق وهناك يحشر الخلق؛ ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر)؛ فهو البيت الذي عظمته الملل، وأكرمته الرسل، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله عز وجل: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن".

 

إن نسي المسلمون تلك المكانة الرفيعة لتلك البقعة المباركة، فإن المولى سبحانه قد تكفل بحفظها وإعادتها إلى حياض المسلمين، وسيبقى المسجد الأقصى منارة من منارات الإسلام الشامخة طال الزمان أو قصر.

 

إخوة العقيدة:

لم يُبرز التأريخ قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية، وحقوقنا التأريخية، وأمجادنا الحضارية، كما برزت فيها الأحقاد الدولية، وظهرت فيها المتناقضات العالمية، وانكشف فيها حرب المصطلحات، وتعرّى فيها بريق الشعارات، وسقط القناع عن التلاعب فيها بالوثائق والقرارات، كقضية المسلمين الأولى، قضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة، والقدس المقدسة، والأقصى المبارك، حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة، لتمثل منظومةً شمطاءَ من العداء المعلن، والكره المبطّن، في تآمر رهيب من القوى العالمية، كان من أبرز إفرازاته الخطيرة انخداعُ كثير من بني جلدتنا بخطط أعدائنا، ويتجلى ذلك في إقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهاتٍ ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية، والنعرات الحزبية والطائفية، وذلك - لعمر الحق - بترٌ لها عن قوّتها المحرِّكة، وطاقتها الدافعة المؤثرة، حتى تاهت القضية في دهاليز الشعارات، والتواء المسارات، وظلام المفاوضات، ودياجير المساومات، وأنفاق المراوغات، في معايير منتكسة، وموازين منعكسة، ومكاييل مزدوجة، تسوِّي بين أصحاب الحقوق المشروعة وأصحاب الادعاءات الممنوعة، حتى خُيِّل لبعض المنهزمين أن القضية غامضة شائكة، لغياب التأصيل العقدي والشرعي لهذه القضية أولسنا أمةً لها مصادرها الشرعية، وثوابتها العقدية، وحقوقها التأريخية؟!

 

أيها المسلمون: كان المسجد الأقصى على مرِّ التاريخ مسجداً للمسلمين من قبل أن يوجد اليهود ومن بعد ما وجدوا؛ فإبراهيم عليه السلام هو أول من اتخذ تلك البقعة مسجداً، وقد قال الله تعالى عنه.

 

﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِياًّ وَلاَ نَصْرَانِياًّ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67]، وليس لبني إسرائيل يهوداً ونصارى علاقة بالمسجد الأقصى إلا في الفترات التي كانوا فيها مسلمين مع أنبيائهم المسلمين عليهم السلام، أما بعد كفرهم بالله تعالى، وشتمهم إياه، وقتلهم الأنبياء فقد انبتت علاقتهم بهذا المسجد الذي تحول إلى إرث المسلمين المؤمنين بجميع الأنبياء عليهم السلام.

 

ولكن اليهود والنصارى في هذا الزمن لا يسلمون بذلك، ويحاربون المسلمين عليه؛ إذ يعتقد اليهود أن بناء الهيكل الثالث سيخرج ملكاً من نسل داوود عليه السلام، يحكمون به العالم، ويقتلون غير اليهود، كما يعتقد النصارى أن نزول المسيح سيكون في الأرض المباركة، وأنهم سيكونون أتباعه، ويقتلون به غير النصارى؛ فالصراع على بيت المقدس هو صراع ديني عقائدي، يعتقد صهاينة اليهود والنصارى أنهم لن يستطيعوا حكم العالم إلا بعد بناء الهيكل فيه؛ ولذا فلن يتنازلوا عنه مهما كلف الأمر.

 

إن فلسطين - تاريخاً وأرضاً ومقدسات ومعالم - هي إرث المسلمين، إرثٌ واجب القبول، متحتم الرعاية لازم الصون، إنه ليس خياراً يتردد فيه المترددون أو شأناً يتحير فيه المتحيرون؛ لهذا وذاك كان أكثر ما سُفِك من دماء المسلمين، وأضرى ما وقع من حروبهم على مر التاريخ حول تلك البقعة، وعلى ذلك الثرى والدم الذي سكبه المسلمون أيام الحروب الماضية، لم يكن لينضب وفي المسلمين أوردة تنبض.

 

إن المسلمين مدعوون في هذا الزمن إلى العودة إلى الدين، وإلى فهم الإسلام الفهم الصحيح المتكامل، وإلى الاعتزاز بالإسلام والدعوة إليه، والتفاني في التضحية من أجله بالغالي والنفيس.

 

كما أن على المسلمين تحقيق الولاء والبراء،

 

ففي الحديث:

" أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله "

 

فبغض اليهود والنصارى من مقتضيات التوحيد:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة:51].

 

كما يجب على المسلمين إقامة الوحدة الإسلامية بين المسلمين والسعي في تحقيقها، وبداية ذلك بتوثيق رابطة الإخاء بين المسلمين، وإشاعة المودة والرحمة بينهم، والسعي في مصالحهم، والسؤال عنهم، ونصيحتهم ومناصرتهم.

 

ويجب على المسلمين إحياء شريعة الجهاد في سبيل الله؛ ففي الجهاد العزة والتمكين، والجهاد هو السبيل الوحيد لاسترداد المقدسات، والذود عن الأعراض والدماء والممتلكات.

 

ويجب الوقوف مع الأخوة في فلسطين بكل يملكه الإنسان من دعم مادي، سواء بدفع الزكاة المشروعة، أو التبرع العام؛ لدعم الأسر الفقيرة، وبناء المستشفيات، وتعليم الأبناء في المدارس والجامعات، ويوجد جهات مصرح لها بجمع التبرعات؛ لأن تقوية اقتصادهم هو مما يقويهم، ويقهر عدوهم، ويفشل مخططاته، في حصارهم وتجويعهم.

 

كما يجب التعاطف مع الإخوة المحاصرين والمجاهدين والمسجونين والمشردين بالدعاء لهم، والسؤال عنهم، ومتابعة قضيتهم، وبيان عقائد اليهود وما يخططون له، فكل هذه مما بخدم القضية، وينصر الأخوة، ويقطع الطريق على المجرم، ويفشل خطط المستعمر، ويقيم العدل ويستعيد المقدسات، ويحمي الدماء والأوطان، وما ذلك على الله بعزيز.

 

أيها الأحبة الكرام: إن من الناس مَن لا عمل له في نصرة الأقصى إلا المناداةَ لنصرته، ومطالبةَ الحكومات بتحريره، والتباكيَ على احتلاله، وإلقاء التبعة والمسؤولية في ذلك على الآخرين، لا عمل له سوى ذلك، ولو تتبعت حالَه لوجدته أبعدَ الناس استعداداً لنصرة الأقصى، وهو فيما يستطيعه من أعمال النصرة مضيِّعٌ مفرط، فقضية المسجدِ الأقصى مغيبةٌ في مجالسه وبيته، ولا حظَّ للمسجد الأقصى في دعائه، لا يمل أن يدعوَ لنفسه بسعة الرزق وكثرةِ الولد، ثم يبخل أن يجعل للأقصى نصيباً من دعائه.

 

إن كثيراً من الأمة مبتلى بالتولّع بالمطالبات، ولكنه في نفسه لا يريد أن يصنع شيئاً، يذكر ما على الآخرين تجاه الأقصى من واجبات، ولا يذكر ما على نفسه له من واجب؛ هَوَسٌ محمومٌ في المطالبات، وبخل شديد بالعمل والمبادرات.

 

هؤلاء أقوامٌ مبتلون لا يحسنون إلا الكلام، وإنما هو الكلام في المطالبات وإلقاء التبعة واللوم على الآخرين، فهم بحقٍ ظاهرةٌ صوتيةٌ فحسب، ونسألهم سؤال الناصح المحب: هل لقضية القدس حضورٌ في بيوتكم؟ هل وَسِعَتْ مَكتَباتُكم الشخصيةُ مؤلفاتٍ في تأريخ الأرض المقدسة والمسجد الأقصى؟ هل وسعت كتباً في تاريخ الاحتلال الصليبي والصهيوني من بعده؟.

 

هل وسعت لغير ذلك من الوثائق والخرائط والصور والبرامج؛ لتصبح بذلك قضيةُ فلسطين قضيةً حيةً في بيوتكم يعِيها صغارُكم ككباركم؟ أم تُراها ضاقت عن كل ذلك، ثم صارت متسعاً لاستقبال قنوات اللهو والعبث والفجور، التي تديرها أيدٍ غربية صهيونية يتربى على خَبَثِها أولادكم؟.

 

إن البيوت الخربة التي خلت من ذكر الله، وضُيِّعَتْ فيها الصلاة، وصارت مناخاً ومحطاً لما يتهدد الأخلاق والهوية من أفكار غربية منكرة، لهي أبعدُ البيوت عن نصرة الأقصى؛ وإن رجلاً هذا حالُ بيته لحقيق أن يصمت فلا يلقي باللائمة والتقصير على الآخرين ما لم يقم هو بواجبه.

 

إن نصرة الأقصى لا تأتي عبطاً ولا عفواً من غير استعداد وتأهيل، ومن لم ينصر الله بإقامة دينه واستصلاح بيته وتربية أهله وولده على ما يُرضى اللهَ سبحانه، فليس بجدير أن ينصر الأقصى.

 

ينقم بعض هؤلاء على الحكومات العربية والإسلامية كثرةَ اختلافها وتنازعِها وتفرقِها، وهو في ذلك محق صادق؛ ولكنه هو الآخر حقيقٌ بهذا العتاب واللوم؛ لأنه من أشد الناس وأوسعهم اختلافاً وتنازعاً ومشاحنة، ومن أفجرهم خصومة عند أدنى خلاف، لم يترك أحداً إلا خالفه وعاداه وهجره؛ حتى جيرانه وأهل بيته لم يَسْلَموا من تعنُّتِه وغلوائه وفجورِه في خصومته، أفيكون هذا صادقَ اللهجة والعاطفة حين يتباكى على تفرق الأمة واختلافها وضياعِ بعض مقدساتها؟ لَعَمْر الحقِّ! لو صدق هذا عاطفةً ولهجةً لكان أسرعَ الناس نصرةً لمقدسات الأمة بنصرة الإسلام في سلوكه وولايته على أهله وولده.

 

بل إن من المضحك أن ترى بعضهم من أشد الناس صوتاً في التنادي لتحرير المسجد الأقصى، وهو رجل كثير التخلف عن الصلاة حيث ينادى لها، بل هو لها من أشد الناس تضييعاً، فبأي شيء سيعظِّم المسجدَ الأقصى لو حضر تحريرَه؟ وهل شيء أولى في تعظيم المسجد الأقصى من ذكر الله فيه والصلاة؟ ماذا يعني هذا الرجلَ الذي لا يصلِّي أن يُحرَّرَ المسجدُ الأقصى أو لا يحرر؟!.

 

إن على الغيورين الذين يزعمون صدقاً في العاطفة والغيرة على مقدسات الشريعة أن يترفعوا عن دعاوى العواطف ولججِها إلى حيث تكونُ العاطفةُ الصادقةُ المثمرةُ التي تتحمل من المسؤولية والتبعة أكثرَ مما تلقيه على الآخرين.

الشيخ محمد كامل السيد رباح


شاركها على صفحتك